سفارش تبلیغ
صبا ویژن

ایران اسلامی

کما قال «أحمد سوکارنو» أحد مؤسسی هذه الحرکة فی مؤتمر باندونغ المعروف سنة 1955 م فإن أساس تشکیل عدم الانحیاز لیس الوحدة الجغرافیة و لا العرقیة و لا الدینیة، بل وحدة الحاجة. فی ذلک الیوم کانت البلدان الأعضاء فی حرکة عدم الانحیاز بحاجة إلى أواصر تستطیع أن تحمیها من هیمنة الشبکات المقتدرة و المستکبرة و الجشعة. و الیوم فإن هذه الحاجة لا تزال قائمة مع تطوّر أدوات الهیمنة و اتساعها.

بسم الله الرحمن الرحیم
الحمد لله رب العالمین، و الصلاة و السلام على الرسول الأعظم الأمین، و على آله الطاهرین، و صحبه المنتجبین، و على جمیع الأنبیاء و المرسلین.
نرحب بکم أیها الضیوف الأعزاء الرؤساء و الوفود الممثلة لبلدان حرکة عدم الانحیاز، و سائر المشارکین فی هذا المؤتمر الدولی الکبیر.
لقد اجتمعنا هنا لنواصل بعون الله و هدایته، و حسب مقتضیات العالم الراهن و احتیاجاته، المسیرة و التیار الذی تأسّس قبل ستة عقود بفضل وعی و شجاعة عدد من القادة السیاسیین المخلصین ذوی الشعور بالمسؤولیة و تشخیصهم للظروف، بل و نبثّ فیه روحاً و حرکة جدیدتین.
لقد اجتمع ضیوفنا هنا من مناطق بعیدة و قریبة جغرافیاً، و هم ینتمون لشعوب و أعراق متنوعة و ذات میول عقیدیة و ثقافیة و تاریخیة و تراثیة شتى، و لکن کما قال «أحمد سوکارنو» أحد مؤسسی هذه الحرکة فی مؤتمر باندونغ المعروف سنة 1955 م فإن أساس تشکیل عدم الانحیاز لیس الوحدة الجغرافیة و لا العرقیة و لا الدینیة، بل وحدة الحاجة. فی ذلک الیوم کانت البلدان الأعضاء فی حرکة عدم الانحیاز بحاجة إلى أواصر تستطیع أن تحمیها من هیمنة الشبکات المقتدرة و المستکبرة و الجشعة. و الیوم فإن هذه الحاجة لا تزال قائمة مع تطوّر أدوات الهیمنة و اتساعها.
و أرید أن أثیر حقیقة أخرى..
لقد علّمنا الإسلام أن للبشر رغم تنوّعهم العرقی و اللغوی و الثقافی فطرة واحدة تدعوهم للطهر و العدالة و الإحسان و التعاطف و التعاون، و هذه الطبیعة المشترکة هی التی إن افلتت بسلام من الدوافع المُضلّلة فستهدی البشر إلى التوحید و معرفة ذات الله تعالى.
إن هذه الحقیقة الساطعة لها القدرة على أن تکون رصیداً و سنداً لتأسیس مجتمعات حرّة شامخة تتمتّع بالتقدّم و العدالة إلى جانب بعضهما، و تنشر إشعاعات الروح المعنویة على کل الأنشطة المادیة و الدنیویة للبشر، و توفّر لهم جنّة دنیویة قبل الجنّة الأخرویة الموعودة فی الأدیان الإلهیة. و نفس هذه الحقیقة المشترکة العامة هی التی یمکنها أن تُرسی دعائم حالات من التعاون الأخوی بین شعوب لا شبه فی ما بینها من حیث الشکل الظاهری و السوابق التاریخیة و الإقلیمیة الجغرافیة. 
متى ما قام التعاون الدولی على مثل هذا الأساس فسوف تشیّد الدول العلاقات فی ما بینها لا على رکائز الخوف و التهدید، أو الجشع و المصالح الأحادیة الجانب، أو سمسرة الخونة و البائعین لأنفسهم، بل على أساس المصالح السلیمة و المشترکة، و فوق ذلک المصالح الإنسانیة، و یُریحوا بذلک ضمائرهم الیقظة و بالَ شعوبهم من الهموم.
هذا النظام المبدئی یقف على الضدّ من نظام الهیمنة الذی اطلقته القوى الغربیة المتسلّطة فی القرون الأخیرة، و روّجت له و کانت السبّاقة إلیه، و تفعل ذلک فی الوقت الحاضر الحکومة الأمریکیة المعتدیة المتعسّفة.
أیها الضیوف الأعزاء...
لا تزال المبادئ و الأهداف الأصلیة لحرکة عدم الانحیاز الیوم قائمة حیّة رغم مرور ستة عقود.. مبادئ مثل مکافحة الاستعمار، و الاستقلال السیاسی و الاقتصادی و الثقافی، و عدم الالتزام لأقطاب القوة فی العالم، و رفع مستوى التضامن و التعاون بین البلدن الأعضاء. و الواقع فی العالم الیوم لیس بالقریب من هذه المبادئ و الأهداف، لکن الإرادة الجمعیة و المساعی الشاملة لتجاوز هذا الواقع و الوصول إلى المبادئ و الأهداف تبعث على الأمل و النتائج الإیجابیة رغم ما یحفّها من التحدیات. 
لقد شهدنا فی الماضی القریب انهیار سیاسات فترة الحرب الباردة، و ما تلا ذلک من الأحادیة القطبیة. و العالم باستلهامه العبر من هذه التجربة التاریخیة یمرّ بفترة انتقالیة إلى نظام دولی جدید، و بمقدور حرکة عدم الانحیاز و یجب علیها أن تمارس دوراً جدیداً. ینبغی أن یقوم هذا النظام على أساس المشارکة العامة و المساواة فی الحقوق بین الشعوب، و تضامننا نحن البلدان الأعضاء فی هذه الحرکة من الضروریات البارزة فی الوقت الراهن لأجل انبثاق هذا النظام الجدید. 
لحسن الحظ فإن أفق التطورات العالمیة یبشّر بنظام متعد[د الوجوه تترک فیه أقطاب القوة التقلیدیة مکانها لمجموعة من البلدان و الثقافات و الحضارات المتنوعة ذات المنابت الاقتصادیة و الاجتماعیة و السیاسیة المختلفة. الأحداث المذهلة التی شهدناها طوال العقود الثلاثة الأخیرة تشیر بوضوح إلى أن انبثاق القوى الجدیدة کان مصحوباً بضعف القوى القدیمة. و هذا التغیّر التدریجی فی القوة یمنح بلدان عدم الانحیاز الفرصة لتتولى دوراً مؤثراً و مناسباً فی الساحة العالمیة، و توفّر الأرضیة لإدارة عادلة و مشترکة حقاً للعالم. لقد استطعنا نحن البلدان الأعضاء فی هذه الحرکة الحفاظ على تضامننا و أواصرنا فی إطار المبادئ و الأهداف المشترکة لفترة طویلة من الزمن على الرغم من تنوّع المیول و التصوّرات، و هذا لیس بالمکسب الصغیر أو البسیط. هذه الأواصر بوسعها أن تکون الرصید للانتقال إلى نظام إنسانی عادل.
الظروف الراهنة فی العالم فرصة قد لا تتکرّر لحرکة عدم الانحیاز. ما نقوله هو أن غرفة عملیات العالم یجب أن لا تُدار بدکتاتوریة عدة بلدان غربیة. ینبغی التمکّن من تشکیل و تأمین مشارکة دیمقراطیة عالمیة على صعید الإدارة الدولیة. هذه هی حاجة کل البلدان التی تضرّرت و تتضرّر بشکل مباشر و غیر مباشر من تطاول عدة بلدان تسلطیة متعسّفة. 
مجلس الأمن الدولی ذو بنیة و آلیات غیر منطقة و غیر عادلة و غیر دیمقراطیة بالمرّة. هذه دکتاتوریة علنیة و وضع قدیم منسوخ انقضى تاریخ استهلاکه. و قد استغلت أمریکا و أعوانها هذه الآلیات المغلوطة فاستطاعت فرض تعسّفها على العالم بلبوس المفاهیم النبیلة. إنهم یقولون «حقوق الإنسان» و یقصدون المصالح الغربیة، و یقولون «الدیمقراطیة» و یضعون محلّها التدخل العسکری فی البلدان، و یقولون «محاربة الإرهاب» و یستهدفون بقنابلهم و أسلحتهم الناس العزّل فی القرى و المدن. البشر من وجهة نظرهم ینقسمون إلى مواطنین من الدرجة الأولى و الثانیة و الثالثة. أرواح البشر فی آسیا و أفریقیا و أمریکا اللاتینیة رخیصة، و فی أمریکا و غرب أوربا غالیة. و الأمن الأمریکی و الأوربی مهم، و أمن باقی البشر لا أهمیة له. و التعذیب و الاغتیالات إذا جاءت على ید الأمریکان و الصهاینة و عملائهم فهی جائزة و ممکن غضّ الطرف عنها تماماً. و لا تؤلم ضمائرهم سجونهم السریّة التی تشهد فی مناطق متعددة من العالم فی شتى القارات أقبحَ و أبشعَ السلوکیات مع السجناء العزّل الذین لا محام لهم و لا محاکمات. الحسن و السیئ أمور انتقائیة تماماً و ذات تعاریف أحادیة الجانب. یفرضون مصالحهم على الشعوب باسم القوانین الدولیة، و کلامَهم التعسّفی غیر القانونی باسم المجتمع العالمی، و یستخدمون شبکاتهم الإعلامیة الاحتکاریة المنظمة لیظهروا أکاذیبهم حقیقة، و باطلهم حقاً، و ظلمهم عدالة، و فی المقابل یسمّون أی کلام حق یفضح مخادعاتهم کذباً، و أیة مطالیب حقة تمرداً. 
أیها الأصدقاء.. هذا الواقع المعیب البالغ الأضرار مما لا یمکن مواصلته. الکلّ تعبوا من هذه الهندسة الدولیة الخاطئة. نهضة التسعة و التسعین بالمائة فی أمریکا المناهضة لمراکز الثروة و القوة فی ذلک البلد، و الاعتراضات العامة فی بلدان أوربا الغربیة على السیاسات الاقتصادیة لحکوماتهم تدلّ على نفاد صبر الشعوب من هذا الوضع. یجب معالجة هذا الوضع غیر المعقول. 
الأواصر المتینة و المنطقیة و الشاملة للبلدان الأعضاء فی حرکة عدم الانحیاز یمکنها أن تترک تأثیرات عمیقة فی العثور على طریق العلاج و السیر فیه. 
أیها الحضور المحترمون.. 
السلام و الأمن الدولیان من القضایا المُحرجة فی عالمنا الیوم، و نزع أسلحة الدمار الشامل المُفجعة ضرورة فوریة و مطلب عام. الأمن فی عالم الیوم ظاهرة مشترکة لا یمکن التمییز فیها. الذین یخزنون الأسلحة اللاإنسانیة فی ترساناتهم لا یحقّ لهم أن یعتبروا أنفسهم حملة رایات الأمن العالمی. فهذا لن یستطیع بلا شک توفیر الأمن حتى لهم. یُلاحظ الیوم للأسف الشدید أن البلدان المالکة لأکثر مقدار من الأسلحة النوویة لا تحمل إرادة جادّة و حقیقیة لإلغاء هذه الأدوات الإبادیة من مبادئها العسکریة، و لا تزال تعتبرها عاملاً لصدّ التهدیدات و مؤشراً مهماً فی تعریف مکانتها السیاسیة و الدولیة. و هذه رؤیة مرفوضة تماماً. 
السلاح النووی لا یضمن الأمن و لا یحقق تکریس السلطة السیاسیة، إنما هو تهدید لکلا هذین الأمرین. لقد أثبتت أحداث عقد التسعینات من القرن العشرین أن امتلاک هذه الأسلحة لا یمکنه صیانة نظام مثل النظام السوفیتی السابق. و الیوم أیضاً نعرف بلداناً تمتلک القنبلة الذریة و تتعرّض لأعنف العواصف الأمنیة. 
الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة تعتبر استخدام الأسلحة النوویة و الکیمیاویة و أمثالها ذنباً کبیراً لا یغتفر. لقد اطلقنا شعار «شرق أوسط خال من السلاح النووی» و نلتزم بهذا الشعار. و هذا لا یعنی غضّ الطرف عن حق الاستفادة السلمیة من الطاقة النوویة و إنتاج الوقود النووی. الاستخدام السلمی لهذه الطاقة حقّ لکل البلدان حسب القوانین الدولیة. یجب أن یستطیع الجمیع استخدام هذه الطاقة السلیمة فی شتى مجالات الحیاة لبلدانهم و شعوبهم، و لا یکونوا تابعین للآخرین فی تمتّعهم بهذا الحق. لکن بعض البلدان الغربیة التی تمتلک هی السلاح النووی و ترتکب هذا العمل غیر القانونی ترغب فی أن تحتکر القدرة على إنتاج الوقود النووی. ثمة تحرّک غامض مُریب راح یتکوّن لتکریس و استمرار احتکار إنتاج و بیع الوقود النووی داخل مراکز تُسمّى دولیة، لکنها فی الواقع فی قبضة بضعة بلدان غربیة.
و السخریة المرّة فی عصرنا هی أن الحکومة الأمریکیة التی تمتلک أکبر مقدار من الأسلحة النوویة و غیرها من أسلحة الدمار الشامل و أکثرها فتکاً، و هی الوحیدة التی ارتکبت جریمة استخدام هذه الأسلحة، ترید الیوم أن تکون حاملة رایة معارضة الانتشار النووی! هم و شرکاؤهم الغربیون زوّدوا الکیان الصهیونی الغاصب بالأسلحة النوویة و خلقوا تهدیداً کبیراً لهذه المنطقة الحسّاسة، لکن نفس هذه الجماعة المخادعة لا تطیق الاستخدام السلمی للطاقة النوویة من قبل البلدان المستقلة، بل و یعارضون بکل قدراتهم إنتاج الوقود النووی لغرض الأدویة و سائر الاستهلاکات السلمیة الإنسانیة، و ذریعتهم الکاذبة الخوف من إنتاج سلاح نووی. و بخصوص الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة فهم أنفسهم یعلمون أنهم یکذبون، لکن الممارسات السیاسیة حینما لا یکون فیها أدنى أثر للمعنویة، تُجیز الکذب أیضاً. و الذی لا یستحی فی القرن الحادی و العشرین من إطلاق لسانه بالتهدیدات النوویة هل تراه یتحاشى و یستحی من الکذب؟!
إننی أؤکد أن الجمهوریة الإسلامیة لا تسعى أبداً للتسلح النووی، کما لن تغضّ الطرف أبداً عن حق شعبها فی الاستخدام السلمی للطاقة النوویة. شعارنا هو «الطاقة النوویة للجمیع، و السلاح النووی ممنوع على الجمیع». و سوف نصرّ على هذین القولین، و نعلم أن کسر احتکار عدة بلدان غربیة لإنتاج الطاقة النوویة فی إطار معاهدة حظر الانتشار هو لصالح کل البلدان المستقلة بما فی ذلک البلدان الأعضاء فی حرکة عدم الانحیاز. 
تجربة ثلاثة عقود من الصمود الناجح حیال التعسّفات و الضغوط الشاملة لأمریکا و حلفائها أوصلت الجمهوریة الإسلامیة إلى قناعة حاسمة فحواها أن مقاومة شعب متّحد و ذی عزیمة راسخة بوسعها التغلب على کل الهجمات المخاصمة المعاندة، و فتح طریق الفخر نحو الأهداف العلیا. التقدم الشامل لبلادنا فی غضون العقدین الأخیرین حقیقة تنتصب أمام أعین الجمیع، و قد اعترف بها المراقبون الرسمیون الدولیون مراراً، و قد حصل کل هذا فی ظروف الحظر و الضغوط الاقتصادیة و الهجمات الإعلامیة للشبکات التابعة لأمریکا و الصهیونیة. حالات الحظر التی سمّاها الهاذرون باعثة على الشلل لم تبعث على شللنا و لن تبعث علیه، و لیس هذا و حسب بل و رسّخت خُطانا، و علّت من هممنا، و عمّقت ثقتنا بصحة تحلیلاتنا و بالقدرات الداخلیة لشعبنا. لقد رأینا بأعیننا مرّات و مرّات معونة الله على هذه التحدّیات. 
أیها الضیوف الأعزاء...
أرى من الضروری هنا التطرّق إلى قضیة جد مهمة. و مع أنها قضیة تتعلق بمنطقتنا لکن أبعادها الواسعة تجاوزت هذه المنطقة و ترکت تأثیراتها على السیاسات العالمیة طوال عدة عقود، ألا و هی قضیة فلسطین المؤلمة. خلاصة هذه القضیة هی أن بلداً مستقلاً ذا هویة تاریخیة واضحة اسمه فلسطین اغتصب من شعبه فی إطار مؤامرة غربیة مُرعبة بزعامة بریطانیا فی عقد الأربعینیات من القرن العشرین، و مُنِح بقوة السلاح و المذابح و المخادعات لجماعةٍ هُجّر معظمهم من البلدان الأوربیة. هذا الاغتصاب الکبیر الذی رافقته فی بدایاته عملیات تقتیل جماعیة للناس العزّل فی المدن و القرى، و تهجیرهم من بیوتهم و دیارهم إلى البلدان المجاورة، تواصل طوال أکثر من ستة عقود على نفس الوتیرة من الجرائم، و لا یزال مستمراً الیوم أیضاً. هذه إحدى أهم قضایا المجتمع الإنسانی. و لم یتورّع الزعماء السیاسیون و العسکریون للکیان الصهیونی الغاصب طوال هذه الفترة عن ارتکاب أیة جریمة بدءاً من تقتیل الناس و هدم بیوتهم و تدمیر مزارعهم، و اعتقال و تعذیب رجالهم و نسائهم و حتى أطفالهم، إلى الإهانات و الإذلال الذی مارسوه ضد کرامة هذا الشعب، و السعی لسحقه و هضمه فی معدة الکیان الصهیونی المولعة بالحرام، و إلى الهجوم على مخیّماتهم التی تضمّ ملایین المشرّدین فی فلسطین نفسها و البلدان المجاورة. أسماء مثل «صبرا» و «شاتیلا» و «قانا» و «دیر یاسین» مسجّلة فی تاریخ منطقتنا بدماء الشعب الفلسطینی المظلوم. و الآن أیضاً، و بعد مرور خمسة و ستین عاماً، تتواصل نفس هذه الجرائم فی سلوکیات الذئاب الصهیونیة الضاریة بالبقاء فی الأراضی المحتلة. إنهم یرتکبون الجرائم الجدیدة تباعاً و یخلقون أزمات جدیدة للمنطقة. قلّ ما یمرّ یوم لا تبث فیه أنباء عن قتل و إصابة و سجن الشباب الناهضین للدفاع عن وطنهم و کرامتهم و المعترضین على تدمیر مزارعهم و بیوتهم. الکیان الصهیونی الذی أطلق الحروب الکارثیة، و قتل الناس، و احتلّ الأراضی العربیة، و نظّم إرهاب الدولة فی المنطقة و العالم، و راح یُمارس الإرهاب و الاغتیالات و الحروب و الشرور لعشرات الأعوام، یُسمّی أبناء الشعب الفلسطینی الثائر المناضل من أجل إحقاق حقوقه إرهابیین، و الشبکات الإعلامیة التابعة للصهیونیة و الکثیر من وسائل الإعلام الغربیة و المرتزقة تکرّر هذه الکذبة الکبرى ساحقة بذلک التزامها الأخلاقی و الإعلامی. و الزعماء السیاسیون المتشدّقون بحقوق الإنسان یغضّون الأنظار عن کل هذه الجرائم، و یدعمون دون خوف أو خجل ذلک الکیان الصانع للکوارث، و یظهرون فی هیئة المحامی المدافع عنه.
ما نقوله هو أن فلسطین للفلسطینیین، و الاستمرار فی احتلالها ظلم کبیر لا یطاق، و خطر أساسی على السلام و الأمن العالمیین. کل السبل التی اقترحها و سار فیها الغربیون و أتباعهم لـ «حلّ القضیة الفلسطینیة» خاطئة و غیر ناجحة، و کذلک سیکون الأمر فی المستقبل أیضاً. و قد اقترحنا سبیل حلّ عادل و دیمقراطی تماماً. یشارک کل الفلسطینیین، من مسلمین و مسیحیین و یهود، سواء الذین یسکنون حالیاً فی فلسطین أو الذین شرّدوا إلى بلدان أخرى و احتفظوا بهویتهم الفلسطینیة، یشارکون فی استفتاء عام بإشراف دقیق و موثوق، فینتخبون البنیة السیاسیة لهذا البلد، و یعود کل الفلسطینیین الذین تحمّلوا لسنوات طویلة آلام التشرّد إلى بلدهم فیشارکوا فی هذا الاستفتاء، ثم تدوین الدستور و الانتخابات. و عندها سیعمّ السلام. 
و أودّ هنا أن أقدّم نصیحة خیّرة للساسة الأمریکان الذین ظهروا دوماً کمدافعین عن الکیان الصهیونی و داعمین له. لقد سبّب لکم هذا الکیان لحد الآن الکثیر من المتاعب، و جعلکم وجهاً کریهاً بین شعوب المنطقة، و شریکاً لجرائم الصهاینة الغاصبین فی أعین هذه الشعوب. و التکالیف المادیة و المعنویة التی فرضت على الحکومة و الشعب فی أمریکا طوال هذه الأعوام المتمادیة تکالیف باهضة، و إذا استمر هذا النهج فی المستقبل فمن المحتمل أن تکون التکالیف التی تتحمّلونها أکبر. فتعالوا و فکّروا فی اقتراح الجمهوریة الإسلامیة بشأن الاستفتاء، و اتخذوا قراراً شجاعاً تنقذون به أنفسکم من هذه العقدة المستعصیة. و لا شک أن شعوب المنطقة و کل الأحرار فی العالم سیرحّبون بهذه الخطوة. 
أیها الضیوف المحترمون...
أعود إلى کلامی الأول فأقول إن ظروف العالم حسّاسة، و العالم یمرّ بمنعطف تاریخی جد مهم. و من المتوقع أن یکون ثمة نظام جدید فی طریقه إلى الولادة و الظهور. و مجموعة بلدان عدم الانحیاز تضمّ نحو ثلثی أعضاء المجتمع العالمی، و بوسعها ممارسة دور کبیر فی صیاغة المستقبل و رسمه. و تشکیل هذا المؤتمر الکبیر فی طهران له بدوره معنى عمیق ینبغی أن یُؤخذ بنظر الاعتبار فی الحسابات. نحن أعضاء هذه الحرکة نستطیع عبر تظافر إمکانیاتنا و طاقاتنا الواسعة ممارسة دور تاریخی باق من أجل إنقاذ العالم من الحروب و الهیمنة و انعدام الأمن.
و هذا الهدف لا یتحقق إلا بالتعاون الشامل فی ما بیننا. لیست قلیلة بیننا البلدان الثریة جداً و البلدان ذات نفوذ دولی. و معالجة المشکلات بالتعاون الاقتصادی و الإعلامی و تبادل التجارب التقدمیة أمور متاحة تماماً. یجب أن نرسّخ عزیمتنا و نکون أوفیاء للأهداف، و لا نخشى سخط القوى العاتیة، و لا نفرح و نطمئن لابتساماتها، و یجب أن نعتبر الإرادة الإلهیة و قوانین الخلقة دعامة لنا، و ننظر بعین العِبرة لانهیار تجربة المعسکر الشیوعی قبل عقدین، و انهیار سیاسات ما یسمّى باللیبرالیة الدیمقراطیة الغربیة فی الوقت الحاضر، و الذی یرى الجمیع مؤشراته فی شوارع البلدان الغربیة و الأمریکیة و العقد المستعصیة فی اقتصاد هذه البلدان. و بالتالی لنعتبر سقوط المستبدین التابعین لأمریکا و المتعاونین مع الکیان الصهیونی فی شمال أفریقیا، و الصحوة الإسلامیة فی بلدان المنطقة، لنعتبرها فرصة کبیرة. بإمکاننا أن نفکّر برفع مستوى الفائدة السیاسیة لحرکة عدم الانحیاز فی إدارة العالم، و بمقدورنا إعداد وثیقة تاریخیة لإیجاد تحوّل فی هذه الإدارة، و توفیر الأدوات التنفیذیة لها.. بوسعنا التخطیط لحالات تعاون اقتصادی، و إیضاح نماذج التواصل الثقافی بیننا. و لا ریب أن تأسیس أمانة عامة ناشطة و متحفزة لهذه المنظومة ستستطیع المساعدة على تحقیق هذه الأهداف بصورة کبیرة و مؤثرة.
و شکراً.


ارسال شده در توسط بچه ریشو